***** تجول بين النقوش مسبحاً *****

علاقة وهمية





يقول أحد الدعاة : لقيني رجل في العقد الثامن من عمره ، وقال لي : ورثت من جدي مبلغاً كبيراً من المال، لا أدري ماذا أصنع به، فقد كبر أولادي ، وشقوا طريقهم في الحياة ، ولدي منزل جيد، وكل أموري في حالة حسنة، فما الذي أصنعه بهذا المال ؟
يقول الداعية : قلت له : قدِّمه لآخرتك : ابنِ مسجداً ، اكفل أيتاماً ، أنشئ وقفاً ... فما كان من الرجل إلا أن قال : وهل أنا مخبول حتى أفعل ما تقول ؟!.
  
قال الداعية : أنت قلتَها فأنت عاجز عن الانتفاع بمالك في أي شيء من أمور دنياك وآخرنك ،و من تكون هذه حاله، فماذا يكون؟! .
السؤال الذي يطرح نفسه هو : إذا أخذنا معيار ذلك الداعية ، وطبقناه على أوضاع الأثرياء الكبار في عالمنا
الإسلامي، فكم ستكون نسبة الناجين من ـ مع شديد الاعتذار ـ من الخبل ؟

نحن نعرف أن الإنسان سوف يُسأل عن المال مرتين : مرة عن طريقة اكتسابه والحصول عليه ومرة عن طريقة إنفاقه ، ومن هنا فإن الخسارة ستكون فادحة جداً بالنسبة إلى من كسب المال من حرام،ولم يستفيد منه بأي وجه من وجوه الاستفادة . إن ملكيتنا للمال ليس لها أي معنى إذا لم نستطع الاستفادة منه في دنيانا أو آخرتنا ، وقد وضَّح ذلك نبيناـ صلى الله عليه وسلم ـ بأبلغ عبارة حين قال : (( يقول ابن آدم مالي ، مالي ، وهل لك يا ابن آدم ! من مالك إلا ما أكلتَ فأفنيت ، أو لبست فأبليت ، أو تصدقتَ، فأمضيت ؟ (رواه مسلم)
إن عقولنا مفطورة على التفكير في الماهيات ، وإغفال شأن العلاقات مع أن العلاقات تؤثِّر في الماهيات إلى درجة نستطيع أن نقول معها في بعض الأحيان : إن الشيء هِبة علاقاته .

حين يكون المرء في حاجة إلى عشرين ألفاً في الشهر حتى يعيش حياة مريحة ومرفَّهة ، ثم يأتيه ثلاثمئة ألف كلَّ شهر، فكيف تكون علاقته بما زاد عن متطلبات رفاهيته ؟
إن علاقته حينئذ تكون وهمية : أرقام تدخل ، وأرقام تخرج ، والأثرياء ا جداً لا يستطيعون حتى رؤية تلك الأرقام ، ومتابعتها ! .
تنشأ العلاقة الحقيقية بأموالنا حين نبذلها في بر الوالدين أو صلة رحم أو تفريج كربة مكروب أو إنشاء وقف لله ؛ تعالى ... .

علاقتنا بأموالنا وهمية ، وحين ننفقها على مسراتنا تصبح مؤقَّتة ، وإذا بذلناها في سبيل الله تحولت تلك العلاقة إلى علاقة أبدية ، حيث نلمس آثارها في دار الكرامة .
فهل من متأمل ، وهل ينجم عن التأمل شيء عملي ؟ .

                                                   
                                                 محبكم
                                                د. عبد الكريم بكار
                                               28/ 2 / 1432
 
************
أرسلت بواسطة أستاذتي الفاضلة وأخيتي الغالية:
د.نورة الصالح..جزاها الله عنا خير الجزاء
تعليق واحد
  1. No0o0o0ra Says:

    سبحان الله
    اتعلمين أنني قرات تلك الرسالة ووضعتها في المسودات عندي لأجل نشرها
    فرأيتها هنا
    حمدت لله لتقارب الفكر بيننا
    رباااه ادم علينا فضلك