***** تجول بين النقوش مسبحاً *****

من سار.. وصل

من سار على طريق القوم وصل

من بدائع الفوائد في برنامج "مُهمات العلم" شرح رسالة " تعظيم العلم " 
 ذكر الشيخ صالح العصيمي فيه :

ليس بمستكثر على الله تعالى أن يفتح على أحد من خلقه ما لا يفتحه على غيره ممن تقدم أو تأخر ، فإن منن الله لا تنقضي وإنعامه عز وجل لا ينتهي ، وصورة شواهد المقدرة الالهية في أحوال البشرية أن يجعل الله لأحد من البشر ما لا يكون لغيره ، فكما يكون هذا في قوة الأبدان الظاهرة فإنه يكون في قوى القلوب الباطنة.
 ذُكر أن رجلا من الصالحين في القرن الماضي صحب اثنين من أبنائه للعمرة فكان ديدنه أن يذهب إلى الحرم في الليل قبل الفجر يطوف بالبيت، فعمد ابناه إلى صحبته في ليلة من الليالي فطاف سبعا ثم صلى ركعتين وهما خلفه يصنعان كما صنع ، ثم قام بعد صلاة الركعتين ليطوف سبعا فاستحيا ابناه من القعود عنه فقاما معه ، فطاف سبعا ثم صلى ركعتين وهما خلفه ، ثم قام أراد أن يطوف ثالثة فنهض أحد ابنيه فأمسكه الآخر فقال : إن هذا الرجل يطوف بقلبه ونحن نطوف بأقدامنا .
فإذا أقبل العبد على الله سبحانه وتعالى جعل الله له من القوى ما لا يسع مدارك الناس ، وهذه هي المواهب التي جعلها الله عند السلف في الحفظ والعلم والعمل وقراءة القران والجهاد وصلاة الليل وغيرها من أحوالهم الكاملة.
فينبغي على العبد أن يحرك قلبه إلى الله ابتغاء تقوية سيره إليه في العلم والعمل ويجتهد في إمداده  بمطالعة سير السلف رحمهم الله فإنها من أنفع ما يكون لطالب العلم ذكره أبو الفرج ابن الجوزي رحمه الله.
فإذا أدمن طالب العلم النظر في سير السلف ، انس بهم ، واجتهد في محاذاتهم في أحوالهم ، وكانوا أعظم مؤنس له في وحشته إذا تغرّب في الطريق وتوحش.
ولا يضعف العبد عن الاجتهاد في سيره كون السلف سبقوا إلى أحوال ربما يعز إدراكها على كثير من الخلق ، وهو المعنى الذي أشار إليه عبد الله ابن المبارك :
لا تأتين بذكرنا مع ذكرهم ليس الصحيح إذا مشى كالمقعد. انتهى
هذا أمر صحيح باعتبار الحال ، لكن من سار على طريقهم وابتغى اللحاق بركابهم فإنه يصل إلى ما وصلوا إليه.
وعظ أبو سعيد الحسن بن أبي الحسن يسار البصري الناس وذكرهم ما كان عليه السلف فقام إليه رجل فقال : يا أبا سعيد إنك ذكرت أقوام مضوا على خيل دُهم بُكم وإنا على حُمر عُرج،
 ((فقال : من سار على طريق القوم وصل)). انتهى.
أي من أخذ بما أخذوا به واجتهد في الاقتداء بهم والسير على ما كانوا عليه ، فإنه وإن ضعفت آلته ووهنت عدته فإنه يصل  إلى ما وصلوا إليه.
قال ابن مالك رحمه الله تعالى في مقدمة تفسير الفوائد : ( فإذا كان العلم خصائص ربانية ومنح إلهية ، فليس بمستكثر أن يجعل الله للمتأخر ما لا يكون للمتقدم) . انتهى
ولكن الشأن أن تكون أنت أيها المتأخر على الحال التي كان عليها المتقدم  وهذا يحتاج إلى جهاد عظيم .


0 تعليقات